فصل: بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ.

قَالَ: (وَتَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ، وَالثَّانِي فَرِيضَةٌ، وَلَا يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، قَالَ: وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى السُّنَّةِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَجْهُ الْأَوَّلِ مُوَاظَبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا، وَوَجْهُ الثَّانِي: «قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ عَقِيبَ سُؤَالِهِ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ فَقَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَتَسْمِيَتُهُ سُنَّةٌ لِوُجُوبِهِ بِالسُّنَّةِ.
الشرح:
بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ مُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ، مِنْ غَيْرِ تَرْكِهِ مَرَّةً.
قُلْت: هَذَا مَعْرُوفٌ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ: «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ، وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ»، انْتَهَى.
(وَيُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ أَنْ يَطْعَمَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى، وَيَغْتَسِلَ وَيَسْتَاكَ، وَيَتَطَيَّبَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطْعَمُ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمُصَلَّى، وَكَانَ يَغْتَسِلُ فِي الْعِيدَيْنِ» وَلِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعِ فَيُسَنُّ فِيهِ الْغُسْلُ وَالطِّيبُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ.
(وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ جُبَّةُ فَنَكٍ أَوْ صُوفٍ يَلْبَسُهَا فِي الْأَعْيَادِ» (وَيُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ) إغْنَاءً لِلْفَقِيرِ لِيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ لِلصَّلَاةِ.
(وَيَتَوَجَّهُ إلَى الْمُصَلَّى، وَلَا يُكَبِّرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى، وَعِنْدَهُمَا يُكَبِّرُ) اعْتِبَارًا بِالْأَضْحَى، وَلَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّنَاءِ الْإِخْفَاءُ، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ فِي الْأَضْحَى، لِأَنَّهُ يَوْمُ تَكْبِيرٍ، وَلَا كَذَلِكَ يَوْمُ الْفِطْرِ.
(وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الصَّلَاةِ، ثُمَّ قِيلَ: الْكَرَاهَةُ فِي الْمُصَلَّى خَاصَّةً، وَقِيلَ: فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ عَامَّةً، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ كَانَ يَطْعَمُ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمُصَلَّى، وَكَانَ يَغْتَسِلُ فِي الْعِيدَيْنِ».
قُلْت: هُمَا حَدِيثَانِ:
فَالْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ»، قَالَ: وَقَالَ مُرَجَّى بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ثَوَابِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ، حَتَّى يَأْكُلَ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ يَوْمَ النَّحْرِ، حَتَّى يُصَلِّيَ»، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: «حَتَّى يَرْجِعَ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أَعْرِفُ لِثَوَابِ بْنِ عُتْبَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ.انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَثَوَابُ بْنُ عُتْبَةَ قَلِيلُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُجَرَّحْ بِشَيْءٍ يَسْقُطُ بِهِ حَدِيثُهُ، انْتَهَى.
وَعَنْ الْحَاكِمِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَزَادَ: «حَتَّى يَرْجِعَ، فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ».
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي صَحِيحٌ، فَإِنَّ ثَوَابَ بْنَ عُتْبَةَ الْمَهْرِيَّ، بَصَرِيٌّ ثِقَةٌ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، رَوَى عَنْهُ عَبَّاسٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَزِيَادَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا صَحِيحَةٌ. انْتَهَى كَلَامُهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِالزِّيَادَةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ الْأَوْدِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَخْرُجَ يَوْمَ الْفِطْرِ، حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَوْمَ النَّحْرِ، حَتَّى يَرْجِع»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الِاغْتِسَالِ فِي الْعِيدَيْنِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ لَهُ جُبَّةُ فَنَكٍ، أَوْ صُوفٍ، يَلْبَسُهَا فِي الْأَعْيَادِ».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيق الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَ حِبَرَةٍ فِي كُلِّ عِيدٍ»، انْتَهَى.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ ثَنَا أَبِي ثَنَا سَعْدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ يَوْمَ الْعِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدٌ أَحْمَرُ يَلْبَسُهُ فِي الْعِيدَيْنِ، وَالْجُمُعَةِ»، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَلَا يُكَبِّرُ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى يَعْنِي جَهْرًا فِي عِيدِ الْفِطْرِ، وَعِنْدَهُمَا يُكَبِّرُ، اعْتِبَارًا بِالْأَضْحَى، وَلَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّنَاءِ الْإِخْفَاءُ، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ فِي الْأَضْحَى، لِأَنَّهُ يَوْمُ تَكْبِيرٍ، وَلَا كَذَلِكَ الْفِطْرُ.
قُلْت: لَمْ أَجِدْ لَهُ شَاهِدًا، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا غَدَا يَوْمَ الْفِطْر، وَيَوْمَ الْأَضْحَى يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ، حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى، ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامُ، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا، وَهُوَ ضَعِيفٌ. انْتَهَى.
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ»، لَمْ يَذْكُرْ: الْجَهْرَ، وَقَالَ: غَرِيبُ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ، ثُمَّ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، وَالْمَرْفُوعُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءٍ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوَقَّرِيُّ ثَنَا الزُّهْرِيُّ ثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ يَوْمَ الْفِطْرِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى»، انْتَهَى.
وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، فِي مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءٍ أَبِي الطَّاهِرِ الْمَقْدِسِيَّ: كَانَ يُغْرِبُ، وَيَأْتِي بِالْأَبَاطِيلِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ يَكْذِبُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، رَوَى عَنْ الْمُوَقَّرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ وَأَبُو الطَّاهِرِ وَالْمُوَقَّرِيُّ ضَعِيفَانِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمُصَلَّى، قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الصَّلَاةِ.
قُلْت: أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ، فَصَلَّى بِهِمْ الْعِيدَ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ خَرَجَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ» انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَصَحَّحَهُ، وَأَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: صَدُوقٌ، صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِمَّنْ فَحُشَ خَطَؤُهُ، وَانْفَرَدَ بِالْمَنَاكِيرِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرَ الْمَتْنِ، وَأَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا، فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ»، انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ: الْكَرَاهَةُ فِي الْمُصَلَّى خَاصَّةً، وَقِيلَ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ: لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَفْعَلْهُ.
قُلْت: هَذَا يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ، لِأَنَّهُ نَفْيٌ مُطْلَقٌ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ الرَّاوِيَ هُنَاكَ أَخْبَرَ أَنَّهُ شَاهَدَهُ فِي الْمُصَلَّى لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا، وَقَدْ يَكُونُ صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ.
(وَإِذَا) (حَلَّتْ الصَّلَاةُ بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ دَخَلَ وَقْتُهَا إلَى الزَّوَالِ) (فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ خَرَجَ وَقْتُهَا)، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ وَالشَّمْسُ عَلَى قِيدَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ، وَلَمَّا شَهِدُوا بِالْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَمَرَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ، وَالشَّمْسُ عَلَى قِيدِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ».
قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ، وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ، عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعِيدِ مِنْ حِينِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ: «خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ، صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ يَوْمَ عِيدِ فِطْرٍ، أَوْ أَضْحَى، فَأَنْكَرَ إبْطَاءَ الْإِمَامِ، وَقَالَ: إنْ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَرَغْنَا سَاعَتَنَا هَذِهِ، وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ»، انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ، حِينَ شَهِدُوا بِالْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ».
قُلْت: رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ: عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي عُمُومَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: «أُغْمِيَ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ، فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ، فَشَهِدُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفْطِرُوا، وَأَنْ يَخْرُجُوا إلَى عِيدِهِمْ مِنْ الْغَدِ»، انْتَهَى.
وَبِهَذَا اللَّفْظِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِيهِ «أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ،
فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا، وَإِذَا صَبَحُوا يَغْدُوا إلَى مُصَلَّاهُمْ»
، انْتَهَى.
وَلَكِنْ يُحْمَلُ اللَّفْظُ الْمُجْمَلُ، عَلَى اللَّفْظِ الْمُعَيَّنِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ ثَنَا شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ عُمُومَةً لَهُ شَهِدُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْرُجُوا الْعِيدَ مِنْ الْغَدِ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: هَذَا حَدِيثٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ، فَرَوَوْهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَهُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ حَدِيثٌ يَجِبُ النَّظَرُ فِيهِ، وَلَا يُقْبَلُ، إلَّا أَنْ تَثْبُتَ عَدَالَةُ أَبِي عُمَيْرٍ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ كَبِيرُ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا حَدِيثَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، لَمْ يَرْوِهَا عَنْهُ غَيْرُ أَبِي بِشْرٍ وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا عَرَفَ مِنْ حَالِهِ مَا يُوجِبُ قَبُولَ رِوَايَتِهِ، وَلَا هُوَ مِنْ الْمَشَاهِيرِ الْمُخْتَلَفِ فِي ابْتِغَاءِ مَزِيدِ الْعَدَالَةِ عَلَى إسْلَامِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ حَدِيثَهُ هَذَا، وَسَمَّاهُ فِي مُسْنَدِهِ عَبْدَ اللَّهِ، وَهَذَا لَا يَكْفِي فِي التَّعْرِيفِ بِحَالِهِ، وَفِيهِ مَعَ الْجَهْلِ بِحَالِ أَبِي عُمَيْرٍ كَوْنُ عُمُومَتِهِ لَمْ يُسَمَّوْا، فَالْحَدِيثُ جَدِيرُ بِأَنْ لَا يُقَالُ فِيهِ: صَحِيحٌ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَعُمُومَةُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحَابَةٌ، لَا يَضُرُّ جَهَالَةُ أَعْيَانِهِمْ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ، وَاسْمُ أَبِي عُمَيْرٍ عَبْدُ اللَّهِ، وَهُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِ أَنَسٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَامَ أَعْرَابِيَّانِ، فَشَهِدَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاَللَّهِ، لَأَهَلَّا الْهِلَالُ أَمْسِ عَشِيَّةً، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا، وَأَنْ يَغْدُوا إلَى مُصَلَّاهُمْ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ سُمُّوا، أَوْ لَمْ يُسَمَّوْا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَسَمَّى الصَّحَابِيَّ، فَقَالَ: عَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطَيْهِمَا، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
(وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ وَثَلَاثًا بَعْدَهَا)، (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً، وَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ يَبْتَدِئُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا بَعْدَهَا، وَيُكَبِّرُ رَابِعَةً يَرْكَعُ بِهَا) وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُنَا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ وَخَمْسًا بَعْدَهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ: يُكَبِّرُ خَمْسًا ثُمَّ يَقْرَأُ، وَفِي رِوَايَةٍ: يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، وَظَهَرَ عَمَلُ الْعَامَّةِ الْيَوْمَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَمْرٍ بَيَّنَهُ الْخُلَفَاءُ.
أَمَّا الْمَذْهَبُ فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ التَّكْبِيرَ وَرَفْعَ الْأَيْدِي خِلَافُ الْمَعْهُودِ، فَكَانَ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ أَوْلَى، ثُمَّ التَّكْبِيرَاتُ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ حَتَّى يَجْهَرَ بِهِ، فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْجَمْعَ، وَفِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يَجِبُ إلْحَاقُهَا بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ لِقُوَّتِهَا مِنْ حَيْثُ الْفَرْضِيَّةُ وَالسَّبْقُ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ إلَّا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ فَوَجَبَ الضَّمُّ إلَيْهَا، وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إلَّا أَنَّهُ حَمَلَ الْمَرْوِيَّ كُلَّهُ عَلَى الزَّوَائِدِ فَصَارَتْ التَّكْبِيرَاتُ عِنْدَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ أَوْ سِتَّ عَشْرَةَ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ، وَثَلَاثًا بَعْدَهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً، وَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ يَبْتَدِئُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا بَعْدَهَا، وَيُكَبِّرُ رَابِعَةً، يَرْكَعُ بِهَا، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ قَوْلُنَا.
قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ، تِسْعًا تِسْعًا: أَرْبَعٌ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، فَيَرْكَعُ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ، فَإِذَا فَرَغَ، كَبَّرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ رَكَعَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَالِسًا، وَعِنْدَهُ حُذَيْفَةُ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، فَسَأَلَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَنْ التَّكْبِيرِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَلْ الْأَشْعَرِيَّ، فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: سَلْ عَبْدَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ أَقْدَمُنَا، وَأَعْلَمُنَا، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، ثُمَّ يَقْرَأُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، فَيَرْكَعُ، فَيَقُومُ فِي الثَّانِيَةِ، فَيَقْرَأُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُعَلِّمُنَا التَّكْبِيرَ فِي الْعِيدَيْنِ، تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ: خَمْسٌ فِي الْأُولَى وَأَرْبَعٌ فِي الْآخِرَةِ، وَيُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَأَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، انْتَهَى.
وَيُنْظَرُ الطَّبَرَانِيُّ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ، فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ: تِسْعُ تَكْبِيرَاتٍ: فِي الْأُولَى خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَبْدَأُ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، مَعَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ نَحْوُ هَذَا، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ الْمَرْفُوعَةِ:
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَائِشَةَ، جَلِيسٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، تَكْبِيرَهُ عَلَى الْجَنَائِزِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: صَدَقَ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: كَذَلِكَ كُنْت أُكَبِّرُ فِي الْبَصْرَةِ، حَيْثُ كُنْت عَلَيْهِمْ»، انْتَهَى.
سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِأَصْحَابِنَا، ثُمَّ أَعَلَّهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَكُنْ بِالْقَوِيِّ، وَأَحَادِيثُهُ مَنَاكِيرُ، قَالَ: وَلَيْسَ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدَيْنِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَلَكِنْ أَبُو عَائِشَةَ، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِيهِ: مَجْهُولٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا أَعْرِفُ، انْتَهَى.
الْأَحَادِيثُ الْمَوْقُوفَةُ:
قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدِ تِسْعًا، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ ثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: شَهِدْت ابْنَ عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بِالْبَصْرَةِ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَوَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ، قَالَ: وَشَهِدْت الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فَعَلَ ذَلِكَ أَيْضًا، فَسَأَلْت خَالِدًا كَيْفَ كَانَ فِعْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَفَسَّرَ لَنَا كَمَا صَنَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَوَاءٌ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ، وَخَمْسًا بَعْدَهَا وَفِي الثَّانِيَةِ يُكَبِّرُ خَمْسًا، ثُمَّ يَقْرَأُ، وَفِي رِوَايَةٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا فِي الثَّانِيَةِ، وَظَهَرَ عَمَلُ الْعَامَّةِ الْيَوْمَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَمْرٍ بَيَّنَهُ الْخُلَفَاءُ.
قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ: سَبْعًا فِي الْأُولَى وَسِتًّا فِي الْآخِرَةِ، بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، كُلُّهُنَّ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، انْتَهَى.
أَخْبَرَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ بِهِ نَحْوَهُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ حَجَّاجٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا حُمَيْدٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً: سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ، انْتَهَى.
وَكَأَنَّ رِوَايَةَ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ هَذِهِ، هِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُ كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعًا، بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، وَكَبَّرَ فِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، فَالْجُمْلَةُ اثْنَا عَشَرَ تَكْبِيرَةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُخَالِفُ هَذَا، وَيُوَافِقُ مَذْهَبَنَا، فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: صَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمَ عِيدٍ، فَكَبَّرَ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ: خَمْسًا فِي الْأُولَى وَأَرْبَعًا فِي الْآخِرَةِ وَوَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَزَادَ فِيهِ: وَفَعَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ الْمَرْفُوعَةِ:
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الْأُولَى بِسَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ بِخَمْسٍ، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، سِوَى تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَقَدْ اسْتَشْهَدَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي مَوْضِعَيْنِ، قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو، وَالطُّرُقُ إلَيْهِمْ فَاسِدَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ أَنَّ فِيهِ اضْطِرَابًا، فَقِيلَ: عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَالِاضْطِرَابُ فِيهِ مِنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَضَعَّفَهُ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ رَوَاهُ غَيْرَ ابْنِ لَهِيعَةَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ، سَبْعٌ فِي الْأُولَى، وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا»، انْتَهَى.
زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ: «وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ، سِوَى تَكْبِيرَةِ الصَّلَاةِ»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَالطَّائِفِيُّ هَذَا ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ ابْنُ مَعِينٍ. انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ: سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الْأُولَى سَبْعًا، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ مِنْهُ، وَبِهِ أَقُولُ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ أَيْضًا صَحِيحٌ وَالطَّائِفِيُّ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ هَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي التَّصْحِيحِ، فَقَوْلُهُ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ يَعْنِي أَشْبَهَ مَا فِي الْبَابِ وَأَقَلَّ ضَعْفًا، وَقَوْلُهُ: وَبِهِ أَقُولُ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ، أَيْ، وَأَنَا أَقُولُ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَشْبَهُ مَا فِي الْبَابِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَحَدِيثُ الطَّائِفِيِّ أَيْضًا صَحِيحٌ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ، وَقَدْ عُهِدَ مِنْهُ تَصْحِيحُ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْبُخَارِيِّ: أَصَحُّ شَيْءٍ، لَيْسَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا، قَالَ: وَنَحْنُ، وَإِنْ خَرَجْنَا عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَلَكِنْ أَوْجَبَهُ، أَنَّ كَثِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ مَتْرُوكٌ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا يُسَاوِي شَيْئًا، وَضَرَبَ عَلَى حَدِيثِهِ فِي الْمُسْنَدِ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نُسْخَةً مَوْضُوعَةً، لَا يَحِلُّ ذِكْرُهَا فِي الْكُتُبِ، إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ، وَالطَّائِفِيُّ ضَعَّفَهُ نَاسٌ: مِنْهُمْ ابْنُ مَعِينٍ. انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ فِي الْعِلْمِ الْمَشْهُورِ: وَكَمْ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ، وَأَسَانِيدَ وَاهِيَةٍ: مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ، فَإِنَّ الْحَسَنَ عِنْدَهُمْ مَا نَزَلَ عَنْ دَرَجَةِ الصَّحِيحِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، إلَّا مِنْ كَلَامِهِ، قَالَ فِي عِلَلِهِ الَّتِي فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْجَامِعِ: وَالْحَدِيثُ الْحَسَنُ عِنْدَنَا مَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ، وَلَمْ يَكُنْ شَاذًّا، وَلَا فِي إسْنَادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ.
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٌ: لَيْسَ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا أَخَذَ مَالِكٌ فِيهَا بِفِعْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ، مُؤَذِّنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الْأُولَى سَبْعًا، قَبْلَ الْقِرَاءَة وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا»، انْتَهَى.
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «التَّكْبِيرُ فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الْأُولَى سَبْعُ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسُ تَكْبِيرَاتِ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَعَلَهُ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ، مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: شَهِدْت الْأَضْحَى وَالْفِطْرَ، مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «قَالَ عَلِيٌّ: يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الْأُخْرَى، وَيُصَلِّي قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ»، انْتَهَى.
قَالَ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) يُرِيدُ بِهِ مَا سِوَى تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا تَكْبِيرَاتِ الْأَعْيَادِ»، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا.
قَالَ: (ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ) بِذَلِكَ وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ (يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَأَحْكَامِهَا) لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: حَدِيثُ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ، وَذَكَرَ مِنْهَا تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ قَوْلُهُ: ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ، بِذَلِكَ وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ.
قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ، فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُصَلُّونَ الْعِيدَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْعِيدَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ، فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلَالٍ، وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ، يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ»، مُخْتَصَرٌ، وَذَهِلَ الْمُنْذِرِيُّ، فَعَزَاهُ لِلنِّسَائِيِّ، وَتَرَكَ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ، فَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّى صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، وَهُمْ جُلُوسٌ فِي مُصَلَّاهُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِبَعْثٍ، ذَكَرَهُ لِلنَّاسِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَمَرَهُمْ، وَكَانَ يَقُولُ: تَصَدَّقُوا، تَصَدَّقُوا، وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ»، انْتَهَى.
بِلَفْظِ مُسْلِمٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: «فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ» الْحَدِيثَ بِنَحْوِ مَا سَبَقَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى الشَّيْبَانِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: «حَضَرْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِنَا الْعِيدَ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ قَضَيْنَا الصَّلَاةَ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ، فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ، فَلْيَذْهَبْ»، انْتَهَى.
قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ مُرْسَلٌ، وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: غَلِطَ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى فِي إسْنَادِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ ثَنَا أَبُو بَحْرٍ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَخَطَبَ قَائِمًا، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ»، انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَرَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «السُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ فِي الْعِيدَيْنِ خُطْبَتَيْنِ، فَيَصِلَ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ» ضَعِيفٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَكْرِيرِ الْخُطْبَةِ شَيْءٌ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْجُمُعَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
(وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يَقْضِهَا) لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا بِشَرَائِطَ لَا تَتِمُّ بِالْمُنْفَرِدِ (فَإِنْ غُمَّ الْهِلَالُ وَشَهِدُوا عِنْدَ الْإِمَامِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ صَلَّى الْعِيدَ مِنْ الْغَدِ) لِأَنَّ هَذَا تَأْخِيرٌ بِعُذْرٍ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثُ (فَإِنْ حَدَثَ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ يُصَلِّهَا بَعْدَهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا أَنْ لَا تُقْضَى كَالْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالْحَدِيثِ، وَقَدْ وَرَدَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي عِنْدَ الْعُذْرِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: فَإِنْ غُمَّ الْهِلَالُ، وَشُهِدَ عِنْدَ الْإِمَامِ بِالْهِلَالِ، بَعْدَ الزَّوَالِ، صَلَّى الْعِيدَ مِنْ الْغَدِ، لِأَنَّ هَذَا تَأْخِيرٌ بِعُذْرٍ، وَقَدْ وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ.
قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ أَبِي عُمَيْرٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِعِ مِنْ الْبَابِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ، قَالَ: «حَدَّثَنِي عُمُومَتِي، مِنْ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُمْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمْ هِلَالُ شَوَّالٍ، فَأَصْبَحُوا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ، فَشَهِدُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يُفْطِرُوا، وَأَنْ يَخْرُجُوا إلَى عِيدِهِمْ مِنْ الْغَدِ»، انْتَهَى: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ، (وَيُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَتَطَيَّبَ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ، (وَيُؤَخِّرَ الْأَكْلَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَطْعَمُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ».
(وَيَتَوَجَّهُ إلَى الْمُصَلَّى وَهُوَ يُكَبِّرُ) «لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ».
(وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَالْفِطْرِ) كَذَلِكَ نُقِلَ (وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ فَعَلَ (وَيُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا الْأُضْحِيَّةَ وَتَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ) لِأَنَّهُ مَشْرُوعُ الْوَقْتِ، وَالْخُطْبَةُ مَا شُرِعَتْ إلَّا لِتَعْلِيمِهِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَطْعَمُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ عَنْ ثَوَابِ بْنِ عُتْبَةَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى، حَتَّى يَرْجِعَ»، زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ «فَيَأْكُلُ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ»، انْتَهَى.
وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ، وَصَحَّحَ الزِّيَادَةَ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ يَعْنِي فِي عِيدِ الْأَضْحَى».
قُلْت: كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ، كَمَا تَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ، وَهَذَا غَرِيبٌ لَمْ أَجِدْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الَّذِي وَجَدْنَا مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، كَالْفِطْرِ، كَذَلِكَ نُقِلَ يَعْنِي فِي عِيدِ الْأَضْحَى.
قُلْت: إنَّ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: كَالْفِطْرِ مُجَرَّدَ الْعَدَدِ، فَشَاهِدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أَضْحَى إلَى الْبَقِيعِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، وَقَالَ: إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَافَقَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ شَيْءٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ» انْتَهَى.
وَإِنْ أَرَادَ عَدَدَ التَّكْبِيرِ، وَتَرْكَ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا، وَبَعْدَهَا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فِي عِيدِ الْفِطْرِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ كُلُّ حَدِيثٍ فِي مَوْضِعِهِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَ ذَلِكَ.
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ.
(فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى صَلَّاهَا مِنْ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ، وَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَ ذَلِكَ)، لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِهَا، لَكِنَّهُ مُسِيءٌ فِي التَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِمُخَالَفَةِ الْمَنْقُولِ.
(وَالتَّعْرِيفُ الَّذِي يَصْنَعُهُ النَّاسُ لَيْسَ بِشَيْءٍ) وَهُوَ: أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تَشْبِيهًا بِالْوَاقِفِينَ بِعَرَفَةَ، لِأَنَّ الْوُقُوفَ عُرِفَ عِبَادَةً مُخْتَصَّةَ بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ، فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً دُونَهُ كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى صَلَّاهَا مِنْ الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ، وَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُوَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ، فَتَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِهَا، لَكِنَّهُ مُسِيءٌ فِي التَّأْخِيرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، لِمُخَالَفَةِ الْمَنْقُولِ.
قُلْت: الْمَنْقُولُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عِيدَ الْأَضْحَى فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ، وَلَمْ يَرِدْ غَيْرُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ.